المقدمة
إن الحمدلله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالن ، من يهدلله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي لله
، و أشهد ان لا إله الاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله ،
أم بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدي
هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرّ الأمور محدثتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
وكل ضلالة في النّار.
فإن
هذه الدراسة ، دراسة علم المنطق مهم جدا ليكون عارفا بعلمه و نافعا لجميع الناس ، وفهذه
الفرصة نريد أن نباحث في علم المنطق من موضوع حوار إبراهيم عليه السلام في تدمير
الأصنام و من هذا البحث تتكون من الأيات القرآنية و بيان عن معنى تلك الآية و حوار
عن تلك القصة و كل مايتعلق
عن هذا الموضوع.
و سنتحدث قليلا مايتعلق عن هذا الموضوع ، كماعرفنا أن
إبراهيم عليه السلام نبياً و رسولاً ، و طلب الله تعالى منه أن يدعو الناس إلى
التوحيد ، و أول أن يبدأ إبراهيم بدعوة أقرب الناس إليه ، ولذلك كانت الحطوة
الأولى في تبليغة الرسالة هي أن يدعو أباه إلى الله عزّ وجل ، وبعد ذلك دعوة إلى
قومه ، و من هذه الدعوة نعرف أن في ذلك زمان كثير من الناس يعبدون الأصنام ولا
يعبدون الله تعالى. وفهذه الفرصة سنعرف عن الحوار أو الحدل من تلك القصة.
البحث
الآيات القرآنية
وَتَٱللَّهِ
لَأَكِيدَنَّ أَصۡنَٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمۡ
جُذَٰذًا إِلَّا كَبِير ا
لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ (٥٨)
قَالُواْ مَن فَعَلَ هَٰذَا بَِٔالِهَتِنَآ إِنَّهُۥ لَمِنَ
ٱلظَّٰلِمِينَ (٥٩) قَالُواْ سَمِعۡنَا فَتى يَذۡكُرُهُمۡ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبۡرَٰهِيمُ
(٦٠) قَالُواْ فَأۡتُواْ بِهِۦ عَلَىٰٓ أَعۡيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡهَدُونَ
(٦١) قَالُوٓاْ ءَأَنتَ فَعَلۡتَ هَٰذَا بَِٔالِهَتِنَا يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ (٦٢) قَالَ
بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا فَسَۡٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ (٦٣)
فَرَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ (٦٤)
ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ (٦٥)
قَالَ أَفَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمۡ شَيۡٔا وَلَا يَضُرُّكُمۡ
(٦٦) أُفّ لَّكُمۡ وَلِمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (٦٧)
قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ (٦٨) قُلۡنَا
يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ (٦٩) وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ
(٧٠)[1].
المعنى المفردات
·
لَأَكِيدَنَّ
أَصۡنَٰمَكُم : لأجتهدن في كسرها. والكيد في الأصل: الاحتيال في الإضرار، المراد:
المبالغة في إلحاق الأذى بها[2].
·
جُذَٰذًا
: المقطّع أو المكسّر – قطعة صغيرة من الفضة.
·
نُكِسُواْ
: نُكِسَ على رأسه : رجع عمّا عرفه ، أو نَكَسَ رأسه : طأطأه من ذلٍ و إهانة ، أي
أطرقوا في الأرض للتأمل والتفكير[3].
·
أسلافهم
: سلف خمع أسلاف : الآباء ، الأجداد.
·
حاقدين
: حاقد : حامل العدواة و البغض و النقمة و القضب في قلبه.
·
قاهر
: غالب.
·
عصمه
: حفظه.
المعنى الاجمال لهذه الآيات
إن إبراهيم عليه السلام يدعو قومه إلى ترك عبادة الأصنام
لأنها لا تسمع الدعاء و لا تبصر العبادة و لا تغني من عذاب الله عز وجل ، ويدعو
إبراهيم عليه السلام قومه اتباعه لأن الله تعالى علمه علما و بيانا لم يعلمه
الآخرين[4] ،
و في هذا الحال أن إبراهيم عليه السلام يدعو قومه بأن تعبدو الله و ترك عن عبادة الأصنام حتى يقول : ما هذه
التماثيل ، أي الأصنام التي كانت على صورة إنسان، والتي أنتم مقيمون على عبادتها
وتعظيمها؟ وفي هذا القول تنبيه إلى ضرورة التأمل في شأنها، وأنها لا تغني عنهم
شيئا ، لكنهم لم يفعلوا ، وأصروا على تقليد أسلافهم. وإجابة ذلك
القوم : لا حجة لنا سوى تقليد الآباء واتباع الأسلاف ، لقد رأيناهم عابدين لها ،
عاكفين على عبادتها وتعظيمها. وهذا تقليد لا يعتمد على منطق صحيح ولا فكر سليم. حتى يقول إبراهيم : لا فرق بينكم وبين
آبائكم ، فأنتم وهم في ضلال مبين. ولكن ذلك القوم لا يعتقدون ولا يعبدون إلى الله ،
حتي بين إبراهيم إلى قومه إن الرب الحقيقي المستحق للعبادة هو مالك السماوات
والأرض، ومدبرها ، وخالقها على غير مثال سابق ، وأنا أشهد شهادة واثق مطمئن أنه لا
إله غيره، ولا ربّ سواه.
و بعد ما حدث منهم من
لجج و جدال بالباطل أقسم إبراهيم عليه السلام {وتالله} لأجل قومه بأن يعرف أن ذلك
الأصنام لا تضر ولا تنفع لهم ، فنكسر إبراهيم ذلك الأصنام الاّ صنم كبيرهم ليسأل
إليه عن سبب تكسيرها و تحطيمها ، من الطبيعي أن يغضب قوم إبراهيم عبدة الأصنام على
ما حدث من كارثة تكسير الأصنام التي يعتقدون أنها الآلهة ، ويعبدونها من دون الله ،
فجاءوا إلى إبراهيم الخليل عليه السلام حاقدين غائظين، ليسألوه عن حقيقة الأمر،
ولإنكار ما حدث ، والانتقام مما وقع ، وهذا موقف في غاية الحرج والضيق من قوم
عتاة، لكنهم سذّج بسطاء ، وجهلة حمقى[5]، ومن
هذه الإنحراف نجد حوار بين إبراهيم مع قومه.
ولما
رجع قومه من عيدهم ووجدُوا ما حدث بأصنامهم وقالوا أن من يكسر آلهتنا هذا فهو
ظالم. فسمعوا فتىً وظنّوا أن من صنع هذا الكسر هو إبراهيم وبلغ ذلكَ الخبر الملك
وأمر قومه أن يأتوا ابراهيم ويجمعوا الناس ليشهد ، وأجمعوا على أن يحضروا ليشهدوا
عليه ويسمعوا كلامَه وكان اجتماعُ الناس في هذا المكان الواحد مقصد إبراهيم عليه
الصلاة والسلام ليُقيمَ على قومه الحجّة على بطلانِ ما هم عليه من عبادة الأصنامِ
التي لا تضرّ ولا تنفع ، جموع الكافرين كلّ يريد الاقتصاص من إبراهيم نبي الله
الذي احتقر أصنامهم إبراهيم ويجمعوا الناس ليشهدوا عليه ويسمعوا كلامَه.
فوجد
إبراهيم فرصة غالية لتعبير حجته وليظهر لهم ضلالة مُعتقدهم و دينهم الباطل. فلما
أتوا به ، قالوا له: أأنت الذي كسّرت هذه الأصنام؟ فأجابهم: )بل
فعله كبيرهم هذا( أي بل الذي فعل هذا هو الصنم الأكبر الذي ما
زال باقيا لم يكسّر ، فاسألوا هذه الأصنام عمن كسّرها ، إن كانوا آلهة ينطقون. وهذا
إلزام للحجّة عليهم بأن الأصنام جماد لا تقدرُ على النطق، وأن هذه الأصنام لا
تستحقّ العبادة فهي لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تملك لهم نفعا ولا ضرا ولا تغني عنهم
شيئًا ، فقال بعضهم لبعض: إنكم أنتم الظالمون في ترككم لها مهملة ، لا حافظ عندها. [6]
{ثُمَّ
نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ} أي أطرقوا في الأرض للتأمل والتفكير، والإغراق في
الحيرة، فقالوا: فما بالك تدعو إلى ذلك ؟ إنك تعلم ونحن نعلم أن هؤلاء لا ينطقون ، فكيف تطلب منا سؤالهم إن كانوا ينطقون ؟!
أي إنهم احتجوا على إبراهيم بما هو الحجة لإبراهيم عليهم ، بسبب الحيرة التي أدركتهم.[7]
و بعد أن نعرف عن ذلك الحل أمر إبراهيم بأن يتوبو و يعبدون الله ، ولكن الإنكار
بينهم فقال بعضهم لبعض أن يحرقوا بالنار ، ولكن الله غالب على أمره ، وقاهر كل شيء ، وحافظ رسوله ونبيه ، وعصمه من أذى النار وحماه من تأثيرها ، فخرج منها كالخارج من الحمام ، وانتهت
القصة: أن قوم إبراهيم أرادوا به مكرا ، وتدبيرا يؤذيه ويقتله ، فجعلهم الله
المغلوبين الأسفلين ، ونجّاه الله من النار ، وهذا درس بليغ في الإيمان بعظمة الله
تعالى ، وعبرة وعظة لذوي الأفهام ، وتعليم أن إرادة الله فوق كل إرادة ، وسلطانه
فوق كل سلطان، فما أراده الله كان ، وما لم يشأ الله لم يكن.
خلاصة لهذه الآيات
إن إبراهيم عليه السلام يدعو قومه إلى ترك عبادة الأصنام. فأول ما يفعله
بتدبير الأصنام كلها ويرك إلا واحد الأكبر لعل يسألون الناس عليه ما وقع فيها.
فجمع الناس ويشهدوا من حجة إبراهيم بدليل علي فساد وضلالة اعتقادهم بالأصنام. ثم
يفكرون بعقولهم للحجّة عليهم بأن الأصنام جماد لا
تقدرُ على النطق، وأن هذه الأصنام لا تستحقّ العبادةَ فهي لا تضرّ ولا تنفع، ولا
يدفع على نفسها ضرا ولا تملك لهم نفعا ولا ضرا ولا تغني عنهم شيئًا. لكن بعد هذا
الاعتراف ظهر الإنكار بينهم وأردوا أن يقتله بإحراق على النار. بإرادة الله مغلوب
على أمره، فأسلمه بذلك الأذى النار.
نقات المهمة في هذا
البحث
·
إن
المشركين لا يستطيعون على إظهار الدليل عن صحة اعتقادهم بعبادة الأصنام، فييبقون
على كفرهم.
·
لقد
أمر الله علي رسوله على التبليغ الدعوة، وفي دعوته إبراهيم عيله السلام قد شعر
الحريق النار في بدنه بسبب قومه. فأسلمه الله من النار.
·
أن
إرادة الله فوق كل إرادة ، وسلطانه فوق كل سلطان، فما أراده الله كان ، وما لم يشأ
الله لم يكن ، كمثل جعل الله النار برودا.
مصادر
البحث
وهبة الزحيلي ، التفسير الوسيط الجزء الثاني ، ( بيروت-ليبان : دار
الفكر المعاصر ).
وهبة الزحيلي ، التفسير المنير في لبعقيدة و الشريعة
و المنهج ، ( بيروت-ليبان : دار الفكر المعاصر ).
إعداد : معن محمود عثمان ضمرة ، الحوار في القرآن
الكريم ، ( نابلس ، فليسطين : إعداد لدراجة الماجستير في جامعة النجاح
الواطنية ).
[3] . أ.د. وهبة الزحيلي ، التفسير
المنير في لبعقيدة و الشريعة و المنهج ، ( بيروت-ليبان : دار الفكر المعاصر )
ص:87.
[4] . إعداد : معن محمود عثمان ضمرة ، الحوار
في القرآن الكريم ، ( نابلس ، فليسطين : إعداد لدراجة الماجستير في جامعة
النجاح الواطنية ) ص: 44.
[5] . أ.د. وهبة الزحيلي ، التفسير
الوسيط الجزء الثاني ، ( بيروت-ليبان : دار الفكر المعاصر ) ص: 1592.
Komentar
Posting Komentar